المقدمة

يُعد التستر التجاري من أخطر الجرائم الاقتصادية التي تعمل المملكة على مكافحتها بشكل صارم، لما له من تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني، والمنافسة العادلة، وبيئة الأعمال.
ومع تصاعد جهود وزارة التجارة والنيابة العامة في كشف شبكات التستر وضبط الأنشطة المخالفة، أصبح من الضروري أن يفهم المستثمرون وأصحاب الأنشطة التجارية ماهية هذه الجريمة، صورها، طرق إثباتها، والعقوبات التي يمكن أن تُفرض على مرتكبيها.
هذا المقال يقدم شرحًا متعمقًا يساعد الأفراد والمنشآت على تجنب الوقوع في التستر، ومعرفة مؤشرات الخطر والآثار القانونية المترتبة عليه.


أولاً: ما هو التستر التجاري نظاميًا؟

التستر التجاري هو:
تمكين غير السعودي من الاستثمار أو ممارسة نشاط اقتصادي محظور عليه، باستخدام اسم المواطن أو سجله التجاري أو حساباته البنكية، مقابل مبلغ مالي أو علاقة شخصية أو منفعة ما.

ويشمل ذلك:

  • السماح للوافد بإدارة النشاط فعليًا.

  • تمكينه من التحكم بالحسابات البنكية للمنشأة.

  • إصدار عقود أو فواتير باسمه رغم عدم امتلاكه ترخيصًا نظاميًا.

هذا الفعل يُعد جريمة اقتصادية وفق نظام مكافحة التستر التجاري، ويترتب عليه إجراءات عقابية مشددة.


ثانيًا: الصور الأكثر انتشارًا للتستر التجاري

تظهر جريمة التستر في عدة صور واضحة، من أبرزها:

1. إدارة الوافد للنشاط بالكامل

مثل:

  • تواجده المستمر كمدير مسؤول.

  • إصدار القرارات التجارية.

  • التعامل مع الموردين والزبائن بصفته صاحب النشاط.

2. استخدام حسابات المواطن في تحويل الأرباح

من أبرز دلائل التستر أن يقوم الوافد:

  • بتحويل الأموال من حسابات المنشأة لنفسه.

  • أو إدارة الحساب البنكي عبر الهاتف أو بطاقة الصراف للمواطن.

3. وجود طرف خفي يملك النشاط فعليًا

وهو ما يُعرف بـ"المالك الحقيقي"، حيث يكون النشاط مسجلاً باسم المواطن بينما المستفيد الفعلي هو الوافد.

4. تأجير السجل التجاري أو التستر في العقود

مثل:

  • عقد إيجار باسم المواطن ولكن الوافد هو الذي يدير المحل.

  • حصول الوافد على تصاريح غير نظامية من خلال المواطن.

5. تشغيل منشأة لا يحضر إليها صاحب السجل إطلاقًا

وهو مؤشر قوي على وجود علاقة تستر.


ثالثًا: كيف يُثبت التستر التجاري؟

تولي الجهات المختصة — وزارة التجارة والنيابة العامة — أهمية كبيرة لجمع الأدلة في قضايا التستر، وتشمل وسائل الإثبات:

1. التحويلات المالية غير المبررة

مثل:

  • تحويل مبالغ كبيرة من حساب المنشأة لحساب الوافد.

  • سيطرة الوافد على العمليات البنكية.

2. كشوف الحساب والسجلات المحاسبية

التحقيق في:

  • حركة الأموال.

  • مصادر الدخل.

  • عمليات السحب أو الإيداع المشبوهة.

3. تواجد الوافد كمدير فعلي للمحل

ويثبت عبر:

  • زيارات التفتيش.

  • حضور الوافد المتكرر كممثل رسمي.

  • عدم ظهور صاحب النشاط في الإدارة.

4. كاميرات المراقبة

وتُستخدم لإثبات:

  • من يدير النشاط يوميًا.

  • من يتعامل مع الموظفين والعملاء.

5. الإقرارات أو البلاغات

سواء من:

  • موظفين سابقين،

  • أو مواطنين،

  • أو حتى شركاء في النشاط.

6. العقود غير النظامية

مثل:

  • عقود إيجار أو تشغيل غير متوافقة مع السجل التجاري.

  • عقود شراكة صورية.

كل دليل من هذه الأدلة قد يكفي لإثبات التستر، خاصة إذا توفر أكثر من دليل واحد.


رابعًا: العقوبات النظامية على التستر التجاري

عقوبات التستر تُعد من أقوى العقوبات الاقتصادية في المملكة، وتشمل:

1. الغرامات المالية الضخمة

وتصل في كثير من الحالات إلى:

  • ملايين الريالات
    حسب حجم النشاط والمخالفات المثبتة.

2. السجن

قد تصل العقوبة إلى:

  • السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات
    للمتستر وللمتستر عليه.

3. إغلاق النشاط وترحيل الوافد

  • إغلاق المنشأة نهائيًا.

  • ترحيل غير السعودي ومنعه من العودة للعمل.

4. الحرمان من مزاولة النشاط

يُمنع المواطن من:

  • إدارة أي نشاط تجاري لفترة تصل إلى 5 سنوات.

5. مصادرة الأموال المتحصلة من التستر

إذا ثبت أن هناك أرباحًا ناتجة عن التستر.

6. رسوم مالية إضافية وضرائب

وفق نظام مكافحة التستر المطور.

العقوبات قد تطبق على المواطن والوافد معًا، لأنها جريمة مشتركة.


خامسًا: لماذا يعد التستر التجاري خطرًا كبيرًا؟

التستر يؤثر على:

  • المنافسة العادلة بين المنشآت.

  • فرص السعوديين في العمل.

  • إيرادات الدولة عبر التهرب الضريبي والمالي.

  • جودة السوق نتيجة سيطرة أطراف غير مرخصة.

ولهذا تم تشديد الرقابة والحملات الميدانية والأنظمة الخاصة بمكافحته.


خاتمة

التستر التجاري ليس مجرد مخالفة بسيطة، بل جريمة تؤثر على السوق السعودي ككل، وتعرض مرتكبيها لمسؤولية جنائية واقتصادية جسيمة.
والتوعية بهذه الجريمة، والحرص على إدارة النشاط بشفافية ومطابقة للأنظمة، والاستشارة المبكرة لأي شبهة، كلها عوامل أساسية لحماية المستثمرين والمواطنين من المساءلة.