تشهد المملكة العربية السعودية توسعًا كبيرًا في تنظيم الفعاليات العامة والترفيهية ضمن إطار مواسم السعودية، مثل موسم الرياض وموسم جدة وغيرهما، وهو ما يتطلب من الجهات المنظمة التزامًا صارمًا بمعايير السلامة والمسؤولية القانونية.
إذ لا تقتصر مسؤولية المنظمين على تقديم تجربة ترفيهية ناجحة، بل تمتد إلى ضمان أمن وسلامة الزوار، وتحمّل المسؤولية في حال وقوع أي ضرر ناتج عن الإهمال أو التقصير.


أولاً: الإطار القانوني للمسؤولية

تخضع مسؤولية المنظمين في المملكة لعدد من الأنظمة، أبرزها:

  • نظام المسؤولية التقصيرية ضمن قانون المعاملات المدنية الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/191).

  • نظام الدفاع المدني الذي يحدد اشتراطات الأمن والسلامة في التجمعات والفعاليات.

  • لوائح الهيئة العامة للترفيه المنظمة لتراخيص الفعاليات العامة ومواصفات السلامة.

وبموجب هذه الأنظمة، يكون المنظّم مسؤولًا عن أي ضرر يلحق بالأفراد أو الممتلكات داخل نطاق الفعالية إذا ثبت وجود إهمال أو إخلال بالتدابير الوقائية.


ثانيًا: أنواع الحوادث المشمولة بالمسؤولية

تتعدد صور الحوادث التي قد تُرتب مسؤولية قانونية على الجهة المنظمة، ومنها:

  1. إصابات الزوار نتيجة ضعف التجهيزات أو سوء التنظيم أو الزحام غير المسيطر عليه.

  2. حرائق أو أعطال كهربائية بسبب عدم الالتزام باشتراطات الدفاع المدني.

  3. حوادث الألعاب الترفيهية نتيجة غياب الصيانة أو إشراف فني غير كافٍ.

  4. حوادث الانزلاق أو السقوط داخل الممرات أو المساحات العامة بسبب الإهمال في التنظيف أو الإنارة.

في جميع هذه الحالات، يُفترض بالمنظم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، وإذا ثبت تقصيره، تتحمل الجهة المنظمة كامل التعويض.


ثالثًا: شروط تحقق المسؤولية القانونية

تتحقق مسؤولية المنظم متى توفرت ثلاثة عناصر رئيسية:

  1. خطأ أو إهمال من الجهة المنظمة (مثل عدم توفير مخارج طوارئ أو تجاهل الطاقة الاستيعابية للمكان).

  2. حدوث ضرر فعلي يلحق بأحد الزوار أو العمال أو المشاركين.

  3. علاقة سببية واضحة بين الإهمال والضرر الحاصل.

وفي حال توفر هذه العناصر، يحق للمتضرر المطالبة بالتعويض أمام الجهات القضائية المختصة أو عبر منصة ناجز إلكترونيًا.


رابعًا: التعويضات المحتملة

تختلف قيمة التعويضات وفقًا لنوع الضرر، وتشمل:

  • تعويض مادي عن تكاليف العلاج والخسائر المالية المباشرة.

  • تعويض معنوي عن الأذى النفسي أو المعنوي الناتج عن الحادث.

  • إيقاف الفعالية أو سحب الترخيص في حال تكرار الإهمال أو الإخلال بالسلامة العامة.

ويتم تحديد التعويض وفق تقدير المحكمة بناءً على الأدلة، والتقارير الطبية، والتحقيقات الرسمية من الدفاع المدني أو الجهات الرقابية.


خامسًا: التزامات الجهات المنظمة للفعاليات

من أجل الحد من المخاطر القانونية، يجب على المنظمين الالتزام بمجموعة من الإجراءات الوقائية، منها:

  1. الحصول على ترخيص رسمي من الهيئة العامة للترفيه قبل إقامة الفعالية.

  2. توفير خطط سلامة وإخلاء معتمدة من الدفاع المدني.

  3. تعيين مشرف سلامة معتمد لمراقبة سير الفعالية ميدانيًا.

  4. تأمين شامل ضد الحوادث يغطي إصابات الزوار والعاملين.

  5. التعاون مع الجهات الأمنية والطبية لتأمين الاستجابة السريعة لأي طارئ.

هذه الإجراءات لا تُعتبر شكلية، بل تمثل التزامًا قانونيًا يخفف من احتمالية وقوع الحوادث ويحد من مسؤولية المنظم في حال حدوثها.


سادسًا: دور الزائر في الحد من المخاطر

رغم أن العبء الأكبر يقع على عاتق المنظم، إلا أن الزائر يتحمل جزءًا من المسؤولية من خلال الالتزام بالتعليمات المعلنة داخل موقع الفعالية، وعدم تجاوز المناطق المحظورة، أو استخدام المرافق بطريقة غير آمنة.
وفي حال ثبوت الخطأ المشترك بين الزائر والمنظم، قد تُخفّف المحكمة من مقدار التعويض بما يتناسب مع نسبة مساهمة كل طرف في وقوع الضرر.


الخاتمة

إن السلامة مسؤولية قانونية قبل أن تكون تنظيمية، والنجاح الحقيقي للفعاليات في المملكة لا يقاس بعدد الحضور فقط، بل بمدى الالتزام بالمعايير القانونية والإنسانية لحماية الأرواح والممتلكات.
ومع توسع الفعاليات في إطار رؤية السعودية 2030، فإن بناء ثقافة قانونية لدى المنظمين والزوار أصبح ضرورة لضمان بيئة ترفيهية آمنة وعادلة تعكس الوجه الحضاري للمملكة.