المقدمة

مع توسّع استخدام التقنية الرقمية وانتشار وسائل الاتصال الحديثة والمعاملات الإلكترونية، ظهرت بذلك فرص جديدة تسهّل حياة الأفراد والشركات. لكن في المقابل، تزامن هذا التوسع مع ظهور أشكال متعددة من الجرائم الإلكترونية: اختراق، احتيال، ابتزاز، تشهير، انتهاك خصوصية… وغيرها.
استجابة لهذه المخاطر، وضع النظام السعودي إطارًا تشريعيًا واضحًا لمكافحة الجرائم المعلوماتية، يحدد حقوق الأفراد وواجباتهم، ويضع عقوبات صارمة للمتعدّين. في هذا المقال، نعرض بشكل مفصل طبيعة الجرائم الإلكترونية، مسؤولية المستخدم، وكيفية التعامل معها قانونيًا.


تعريف الجريمة الإلكترونية وأبرز أشكالها

تُعد الجريمة الإلكترونية كل فعل يُستخدم فيه الوسائل التقنية لتحقيق غاية غير مشروعة تؤذي أشخاصًا أو جهات، وتشمل على سبيل المثال:

  • اختراق الحسابات أو الأجهزة للوصول إلى معلومات أو بيانات خاصة.

  • سرقة أو تسريب بيانات أو صور دون إذن صاحبها.

  • نشر معلومات خاصة أو شخصية — صور، فيديوهات، محادثات — دون موافقة، مما قد يعد انتهاكًا للخصوصية.

  • الاحتيال المالي عبر روابط وهمية، أو مواقع تبدو شرعية لخداع الضحايا.

  • التهديد أو الابتزاز باستخدام صور أو معلومات مسرّبة.

  • انتحال الهوية الرقمية ونشر محتوى باسم شخص آخر.

كل من هذه الأفعال يندرج ضمن ما يحظره نظام الجرائم المعلوماتية، ويُعاقب عليه حسب نوع الجريمة وخطورتها.


مسؤولية المستخدم: كيف تحمي نفسك؟

حتى لا تكون ضحية أو متورطًا بدون قصد، يجب على كل مستخدم أن يلتزم بـ «العناية المعتادة»، ويشمل ذلك:

  • التحقق الدائم من روابط ومواقع الإنترنت قبل الضغط عليها.

  • عدم مشاركة كلمات المرور أو البيانات الحساسة عبر الإنترنت.

  • استخدام كلمات مرور قوية وفريدة لكل حساب.

  • تفعيل التحقق بخطوتين (2FA) إن كانت الخدمة تدعم ذلك.

إهمال هذه الاحتياطات لا يعني فقط ضعف حماية، بل قد يزيد من مسؤوليتك القانونية في حال وقوع ضرر.


متى يُصبح الفعل جريمة؟

لا يُعد كل خطأ إلكتروني جريمة بالضرورة؛ فلكي يحكم النظام بوجود جريمة، يجب توافر أحد أو أكثر من العناصر التالية:

  • وقوع ضرر مادي أو معنوي على شخص أو جهة.

  • وجود قصد من الفاعل — كتهديد أو ابتزاز أو استغلال.

  • نشر أو تسريب معلومات خاصة دون إذن صاحبها.

  • قيام الفعل بطريقة تؤدي إلى تشهير أو إضرار بسمعة شخص.

بهذه المعايير، يُفرّق النظام بين الخطأ غير المقصود والجريمة المتعمدة.


إثبات الجريمة الإلكترونية: الأدلة الرقمية

نجاح الدعوى يعتمد على تقديم أدلة رقمية موثوقة تُثبت الفعل والمضرور، من ضمنها:

  • لقطات شاشة (screenshot) للمحادثات أو الروابط.

  • حفظ عناوين الإنترنت أو الحسابات التي صدرت منها الإساءات.

  • بيانات التوقيت والتاريخ للمراسلات أو حالات الاختراق.

  • تتبع عناوين الإنترنت (IP) إن كانت متاحة.

  • حفظ الرسائل أو محادثات التهديد أو الابتزاز.

نظرًا لأن أي أثر على الإنترنت قد يُحذف بسرعة، التوثيق السريع وحفظ الأدلة أمر في غاية الأهمية.


إجراءات التحقيق والمحاكمة

عند تقديم بلاغ:

  1. تتولى الجهات المختصة فحص الأدلة الرقمية.

  2. يُستدعى الأطراف للتحقيق إن لزم.

  3. تُحال القضية إلى النيابة العامة ثم إلى المحكمة المختصة.

  4. يُصدر الحكم بناءً على نصّ المادة القانونية المناسبة ونوع الجريمة.

مدة الإجراءات تختلف حسب طبيعة الجريمة وحجم الأدلة، لكن النظام يضمن صرامة التحقيق ومنح الحقوق للضحايا.


الخاتمة

في عالم اليوم الرقمي، أصبحت الجرائم الإلكترونية تهديدًا واقعيًا للمجتمع والأفراد. لذلك، الوعي القانوني والحذر الرقمي ليسا رفاهية، بل ضرورة لحماية الذات والحقوق.

الحماية تبدأ من:

  • فهم النصوص النظامية.

  • ممارسة العناية المعتادة.

  • توثيق أي تجاوز فورًا.

  • اللجوء إلى الجهات المختصة إذا احتجت لذلك.

بهذه الخطوات، يمكنك حماية نفسك ومن حولك من مخاطر العصر الرقمي، وضمان تطبيق القانون وتحقيق العدالة في حال التعرض لأي انتهاك.