المقدمة: تحول تشريعي يعزز سرعة إنفاذ الحقوق

في السابق، كان الطريق الوحيد لبدء إجراءات التنفيذ الجبري في المملكة العربية السعودية هو الحصول على حكم قضائي نهائي، وهي عملية قد تستغرق وقتًا وجهدًا. لكن مع التطور التشريعي الذي أدخله نظام التنفيذ السعودي ولوائحه التنفيذية، توسعت دائرة السندات التنفيذية لتشمل العقود والمحررات الموثقة، مما جعل العقد الموثق يتمتع بقوة حكم قضائي واجب التنفيذ.

هذا التحول رفع من كفاءة البيئة التجارية والاستثمارية، وأصبح العقد الموثق أداة مباشرة لتحصيل الحقوق، مما اختصر مسارًا قضائيًا كان يستغرق شهورًا وربما سنوات.

في هذا المقال نشرح الأساس النظامي للعقد الموثق، وآلية تنفيذه المباشر، ودور الموثق، وكيف أسهم هذا التطوير في تعزيز الثقة بالتعاملات التعاقدية داخل المملكة.


أولاً: الأساس النظامي للعقد الموثق كـ«سند تنفيذي»

يستمد العقد الموثق قوته التنفيذية من المادة التاسعة من نظام التنفيذ السعودي، التي نصت بوضوح على أن «العقود والمحررات الموثقة» تعد سندات تنفيذية، أي أنها تُنفذ مباشرة دون الحاجة لرفع دعوى لإثبات الحق.

ما معنى ذلك؟

  • العقد الموثق يصبح له نفس قوة الحكم القضائي النهائي.

  • مجرد الإخلال بالعقد يتيح للدائن التوجه مباشرة إلى محكمة التنفيذ لطلب التنفيذ الفوري.

  • لا حاجة لإثبات الحق أو الدخول في جلسات نزاع أمام المحكمة.

هذا التطوير يهدف إلى تعزيز سرعة التعاملات وتقليل تراكم القضايا لدى المحاكم.


ثانيًا: أنواع العقود التي يمكن توثيقها واكتسابها قوة التنفيذ

ليس كل عقد يصبح سندًا تنفيذيًا، بل العقود التي تتضمن التزامًا واضحًا وقابلاً للتنفيذ، ومن أبرزها:

1. عقود الإيجار السكنية والتجارية

خصوصًا تلك الموثقة عبر منصة إيجار، إذ تُعد سندًا تنفيذيًا عند تأخر المستأجر بالسداد.

2. عقود التمويل والإقراض

سواء بين الأفراد أو المؤسسات المالية، شرط توثيقها لدى موثق معتمد.

3. عقود البيع والتنازل عن العقار

بمجرد التوثيق، يصبح العقد قابلًا للتنفيذ المباشر.

4. الإقرارات بالمديونية

وهي من أكثر السندات التنفيذية استخدامًا، إذ تثبت حق الدائن بشكل واضح وصريح.

توثيق هذه العقود يمنحها حجية قوية ويجعل تنفيذها أسرع بكثير مقارنة بالعقود غير الموثقة.


ثالثًا: آلية التنفيذ المباشر للعقد الموثق في محكمة التنفيذ

عند إخلال أحد الأطراف بالعقد الموثق، يبدأ التنفيذ من خلال الخطوات التالية:

1. تقديم طلب التنفيذ عبر منصة «ناجز»

يرفق الدائن العقد الموثق إلكترونيًا ويقدم طلب تنفيذ.

2. إصدار أمر التنفيذ

يقوم قاضي التنفيذ بإصدار أمر التنفيذ فورًا دون جلسات مرافعة، طالما أن الحق ثابت بالعقد.

3. إشعار المدين

يمنح النظام مدة غالبًا هي خمسة أيام لتنفيذ ما عليه.

4. بدء الإجراءات الجبرية عند عدم السداد

وتشمل:

  • الحجز على الحسابات البنكية

  • إيقاف الخدمات

  • منع السفر

  • الحجز على الممتلكات

  • الإفصاح عن الأموال

  • التنفيذ المباشر على المنقولات والعقارات

هذا يجعل العقد الموثق أداة قوية تُجبر الطرف المخل على الالتزام دون الحاجة لمسار تقاضي طويل.


رابعًا: دور الموثق في تعزيز القوة التنفيذية للعقد

الموثق في النظام السعودي ليس مجرد شاهد على التوقيع، بل يقوم بوظيفة عامة مفوضة من وزارة العدل. وتشمل مهامه:

1. التحقق من هوية الأطراف وأهليتهم

تأكيد أن الأطراف ملمين بمحتوى العقد وراضين عنه.

2. التأكد من سلامة العقد نظاميًا

وضوح البنود، خلوها من المخالفات النظامية أو ما يتعارض مع الشريعة.

3. توثيق العقد إلكترونيًا

ليكون له رقم ومرجع رسمي في أنظمة وزارة العدل.

4. إضفاء الحجية القانونية

التوثيق يمنح العقد قوة إثبات أعلى من العقد العادي، ويضعه ضمن السندات التنفيذية.

وجود الموثق يعزز الثقة بين الأطراف ويحميهم من النزاعات لاحقًا.


الخاتمة: خطوة تشريعية تدعم الاستثمار وتسرّع العدالة

اعتماد العقد الموثق كسند تنفيذي يمثل نقلة نوعية في النظام العدلي السعودي، إذ يسهم في:

  • حماية الحقوق بشكل أسرع

  • رفع مستوى الالتزام التعاقدي

  • تقليل حجم القضايا في المحاكم

  • خلق بيئة قانونية جاذبة للمستثمرين

  • تعزيز الثقة بين الأطراف في أي تعامل تجاري أو مالي

إن القوة التنفيذية للعقد الموثق تجعل من الإخلال به مخاطرة كبيرة، نظرًا لسهولة التنفيذ الجبري والسرعة في تحصيل الحقوق، مما يرسخ مبدأ عدالة أسرع وبيئة تجارية أكثر موثوقية في المملكة.